الخميس، 18 ديسمبر 2014

مناهج المستشرقين في دراسة الإسلام

إعداد: أمجاد الربيعة
إشراف:أ.د.خالد القاسم 


مقدمة

     إن الحمد لله رب العالمين ، العلي العظيم ، الواحد الأحد ، الذي لم يلد ولم يولد،  نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين. أما بعد :
إن دراسة منهجية الاستشراق موضوع معقد للغاية فمن الصعب أن نجمع المستشرقين كلهم في بوتقة واحدة ونزعم أن منهجهم كان واحداً أو متقارباً على الأقل في كل الأزمان والأوقات وفي كل الموضوعات التي تناولوها، وذلك لأسباب شتى وإشكالات متعددة أهمها خلفية المستشرقين المتعددة وثقافاتهم المتباينة وتياراتهم الفكرية المتباينة فمنهم المتدين ومنهم الملحد ومنهم المحايد المنصف ومنهم المتعصب ضد الإسلام ومنهم المطلع على المجتمع الاسلامي المخالط للمسلمين بكثرة ومنهم من كانت دراسته للإسلام من خلال الكتب والجامعات الغربية، وهم مع اختلاف خلفياتهم تختلف أهدافهم الاستشراقية فمنهم من يهدف للبحث العلمي المتجرد ومنهم من له أهداف استعمارية أو تبشيرية أو سياسية أو دينية مختلفة كما أن عدد كبيراً منهم لم يكن متخصصاً في علم معين إضافة إلى طبيعة المجتمعات الاسلامية، وسعة الخارطة الجغرافية المدروسة من المستشرقين ، وتنوع العلوم الإسلامية المتعددة، كل ذلك يجعل من تحديد منهجية معينة لدراسة المستشرقين للإسلام أمراً معقداً في غاية الصعوبة والأصل في هذه المناهج أنها تندرج تحت عموم مناهج البحث العلمي واختصاراً للكلام حول مناهج المستشرقين وطلباً للفائدة فإنني سأعمل على إجمال المنهجيات التي يشترك فيها عدد كبير من المستشرقين قديماً وحديثاً في تناول العلوم الإسلامية خصوصاً ماكان منها له الأثر الأكبر على الدراسات الاسلامية عند المستشرقين
التمهيد

أولاً: تعريف المنهج :
لغة: من نهج: طريقٌ نَهْج : بَيِّنٌ واضِحٌ، وهو النَّهْج ، و مَنْهَج الطريقِ : وضَحُه. والمِنهاج : كالمَنْهَج . وفي التنزيل: ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً)(المائدة: من الآية48)
وأَنهَج الطريقُ: وضَحَ واسْتَبانَ وصار نَهْجا واضِحاً بَيِّناً ، والمِنهاج : الطريقُ الواضِحُ. واسْتَنْهَج الطريقُ: صار نَهْجا([1])
اصطلاحاً: المنهج العلمي هو خطة منظمة لعدة عمليات ذهنية أو حسية بغية الوصول إلى كشف حقيقة أو البرهنة عليها ([2])
ثانياً: معنى الاستشراق:
هو دراسة الغربيين للشرق وعلومه وأديانه ، وخاصة الإسلام لأهداف مختلفة شتى ومن أهمها تشويه الإسلام وإضعاف المسلمين.([3])
     والمناهج التي استخدمها المستشرقون في دراسة الإسلام عديدة وقد تجتمع هذه المناهج في دراسة واحدة أو عند مستشرق بعينه وقد تفترق ، سنعرض لخمسة من أهمها في هذا المجال،  في المباحث التالية:

المطلب الأول : منهج المطابقة و المقابلة :
    وهو منهج دراسة النصوص والتحقق منها وقد استخدمه المستشرقون في دراسة النصوص الإسلامية و برعوا من هذه الناحية وأجادوا، وكان لهم في ذلك جهد كبر وفضل في استخراج العديد من المخطوطات وقد ساعدهم على ذلك معرفتهم للعديد من اللغات و اطلاعهم على المخطوطات ووصولهم إلى أماكنها، واكتشافهم للعديد من النقوش والآثار وقد برعوا في جمع هذه المخطوطات ومقابلتها والتوفق بينها كما برعوا في الدقة في الترجمة وتحقيق النصوص وإرجاعها إلى مصادرها الأصلية، ولكن هذه الطريقة لم تسلم من الخطأ فإن غالب المستشرقين قد رسخت في أذهانهم فرضيات علمية وأحكام مسبقة وهم يحاولون إثباتها دائماً وتطويع النصوص للبرهنة على صحتها.([4])

المطلب الثاني: منهج الأثر والتأثير:
ويعني هذ المنهج النزع إلى رد كل عناصر الدين الإسلامي بعد تجزئتها إلى اليهودية والنصرانية أو إليهما معاً ،أو إلى غيرهما من الحضارات والأديان وقد كان المستشرقون اليهود - أمثال جولد تسيهر وشاخت وجايجر وبرنارد لويس - أشدُّ حرصاً على ادِّعاء استمداد الإسلام من اليهودية وتأثيرها فيه، أما المستشرقون المسيحيون فيجرون وراءهم في هذه الدعوى؛ إذ ليس في المسيحية تشريع يستطيعون أنْ يزعموا تأثُّر الإسلام به وأخذه، منه، وإنما فيه مبادئ أخلاقية زعموا أنها أثرت في الإسلام، ودخلت عليه منها([5])  وهذا الادعاء مبني على عناصر التشابه بين الإسلام واليهودية والنصرانية وغالبهم يحاولون إثباته بطرق مختلفة منها تلقي النبي r عن اليهود والنصارى ابتداء من ورقة بن نوفل وحتى يهود المدينة ، وهذا العدد الكبير من المستشرقين لم يلتفت إلى الإسلام على أنه دين مستقل ذو منظومة شاملة ومتناسقة ، وهذا الإدعاء بالنزعة التأثيرية يشكل خطورة كبيرة على وحدة الفكر الإسلامي وأصالته لأنها تقضي على الفكر الإسلامي قضاء مبرماً ، ونرى هذه النزعة ظاهرة في كتابات عدد كبير من المستشرقين فكلما وجدوا تشابه أو اتفاق بين الإسلام واليهودية والنصرانية أو أعجزهم رد شيء مما جاء به الرسول r برز لديهم هذا المنهج في ادعاء أخذه واستقائه الإسلام عن الديانات السابقة أو الحضارة اليونانية حتى وإن كان هذا التشابه من نسج عقولهم ولا أصل له في الواقع وفي هذا يقول جولد تسيهر: (تبشير النبي العربي ليس إلا مزيجاً منتخباً من معارف وآراء دينية عرفها واستقاها بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية وغيرها التي تأثر بها تأثراً عميقاً )([6])
و يظهر كذلك اتهامه النبيr بالكذب في ادعاء النبوة وأنها فكرة استمدها مما سمع عن الديانات السابقة فكتب في الدائرة في مادة جبرائيل : (ولجبريل شأن هام في القرآن وقد اصطنع النبي القصة التي تقول بأن هذا الرسول السماوي يتحدث إلى الانبياء وأعتقد أنه تلقى رسالته ووحيه منه)([7])
ويرى مونتقمري وغيره من المستشرقين كذلك أن النبي r أخذ عن ورقة بن نوفل في بداية الدعوة وتأثر بيهود المدينة حين هاجر إليها ومن ذلك قوله : (ويبدو ورقة من بين الذين اتصل بهم محمد لسبب معرفته بكتب المسيحية المقدسة ولا شك أن المقطع القرآني حين ردده محمد قد ذكره بماهو مدين به لورقة ...ولهذا فمن الأفضل الافتراض بأن محمد قد عقد صلات مستمرة مع ورقة منذ وقت مبكر وتعلم أشياء كثيرة وقد تأثرت التعاليم الاسلامية اللاحقة كثيراً بأفكار ورقة )([8]) وغيره مماتفيض به مؤلفاتهم من محاولة الربط بين الاسلام واليهودية والنصرانية وزعم تأثر الإسلام بها.
وهذا التأكيد والأصرار على إثبات تأثر الإسلام بالديانات السابقة قد يرجع مع الرغبة في تشويه الإسلام إلى (كون هذا المنهج قد طبق بصورة صارمة في بيئتهم ذلك أن النهضة الأدبية الأوربية قد تأسست بناء على الحضارة اليونانية وما أنشئ مذهب فكري وديني جديد إلا ووجد له نظير في الحضارة اليونانية القديمة ومن خلال هذا الحكم تم تطبيق هذا المنهج على الفكر الإسلامي دون أدنى اكتراث بخصوصية الفكر الإسلامي ذي الأصول والأسس الواضحة المؤسسة على معايير دينية وبيئية أصيلة مستمدة من القرآن والسنة النبوية )([9]) وهذا الإصرار منهم على إثبات التأثر و كأنَّ الله لم يرسل أنبياء قبله يؤمنون بهم حتى يصعب عليهم تفسير ظاهرة الوحي، ولما كانوا كلهم ما بين يهود ونصارى يعترفون بأنبياء التوراة، وهم كانوا أقل شأناً من محمد r في التاريخ والتأثير والمبادئ التي نادى بها، كان إنكارهم لنبوَّة النبي r تَعَنُّتاً مبعثه التعصُّبُ الديني الذي يملأ نفوس أكثرهم كرُهبان وقسس ومُبَشِّرِين.

المطلب الثالث: المنهج التاريخي  
      وهو عبارة عن ترتيب وقائع تاريخية أو اجتماعية وتبويبها وترتيبها ثم الإخبار عنها والتعريف بها باعتبارها الظاهرة الفكرية ذاتها وقد خلطوه بالمنهج الذاتي , فجاءت دراستهم ذاتية أكثر منها تاريخية، والمنهج التاريخي قد يكون عاماً يشمل دراسة كل الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية للمجتمع وقد يكون خاصاً بجزء معين مقتصراً عليه، والمستشرقون حين طبقوا هذا المنهج على الحضارة الإسلامية فإنهم صنفوا التاريخ الإسلامي ومفكريه على نمط العقلية الغربية فهم حين يتحدثون عن مفكري الإسلام كابن رشد والغزالي فإنهم يصنفونهم بأنهم أصحاب مدارس كالغربيين وهذا غير صحيح بل بعيد كل البعد عن التاريخ  الإسلامي، ونتائج تطبيق هذا المنهج ليست صحيحة غالباً كما أنه يؤدي إلى إنكار نبوة محمد r وعدم صدقية الوحي حيث يفسر كل شيء على أنه ظاهرة تاريخية ذات أصول مادية وهو بذلك يقوم على فكرة مسبقة وتمييز حضاري وتعصب ديني.([10])

المطلب الرابع: المنهج الإسقاطي
يتمثل هذا المنهج في خضوع الباحث إلى هواه وعدم استطاعته التخلص من الانطباعات التي تركتها عليه بيئته الثقافية المعينة وعدم تحرره من الأحكام المسبقة التي يكونها عن موضوع بحثه ويعني تفسير التاريخ بإسقاط الواقع المعاصر المعاش على الوقائع التاريخية الضاربة في أعماق التاريخ فيفسرونها في ضوء خبراتهم ومشاعرهم الخاصة وما يعرفونه من واقع حياتهم ومجتمعاتهم، وهم بذلك يحاولون إثبات الصور المرسومة في أذهانهم حتى وإن استحال وقوعها وينفون الحقائق الواقعة التي لا تتصورها أذهانهم "فمثلاً واقع الغربيين يدل على تنازعهم على السلطة وإن كان الأمر يبدو في الحاضر انتخابات وحرية اختيار فجاء المستشرقون إلى بيعة الصديق رضي الله عنه فصوروها على أنها اغتصاب للسلطة أو تآمر بين ثلاثة من كبار الصحابة هم والله أنقى البشر بعد الأنبياء والرسل وهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين فزعموا أن هؤلاء الثلاثة تآمروا على أن يتولوا الخلافة الواحد تلو الآخر. 
وسموا المنافقين بالمعارضة وغير ذلك من الإسقاطات التي تدل على سوء طوية وخبث وبعد عن المنهج العلمي ، (كما قاموا بذات التفسير لهجرة المسلمين للحبشة بنفس الطريقة فجعلوا دافعها رغبة المسلمين في مساعدة عسكرية وتحويل الحبشة إلى قاعد لمهاجمة تجارة مكة ومحاولة لإيجاد طريق جديد لتجارة الجنوب لا يمر بمكة ووجود خلافات حادة في الرأي داخل صفوف المسلمين ويُبني عليه أن هذه الهجرة لم تكن بأمر النبي r  دون النظر لكل الأسباب والدوافع الوجيهة والحقائق التاريخية وذلك بهدف الوصول إلى النتيجة التي يريدونها وهي أن النبي r لم ينجح في بداية دعوته مع أصحابه)([11]) ومن إسقاطهم الرؤية العقلية الغربية المعاصرة على سيرة النبي r ما زعمه مونتقمري وات أن تحنثه  rفي غار حراء يمكن أن يكون فراراً من حر مكة خلال فصل الصيف للذين لايستطيعون التوجه للطائف ([12]) مسقطاً خيالاته وأوهامه المبنية على واقعه المعاش ليبرر الحادثة مبعداً لها عن ماذكر في كتب السنة عن بدايات نبوته r.

ومن صور الإسقاط  الحكم على وقائع السيرة بالنظرة التاريخية المادية السائدة في المجتمع الغربي  ومن ذلك ماقاله بعضهم عن أحداث السيرة النبوية: ( من وجهة نظر المؤرخ بعض هذه الوقائع موضع جدل ويمكن تسميتها بذات الطابع الفقهي ولاشك أنها ليست حقيقية بالمعنى الواقعي للمؤرخ)([13]) مشيراً إلى حادثة شق صدر النبي r وهو صغير و بحيرى الراهب لينفي بذلك البشارة السابقة بنبوة محمد r، كما يفسرون كذلك الغزوات الإسلامية بمنظور مادي اقتصادي بحت([14])
و من صور الاسقاط عند المستشرقين القول بالانشطارية : وتعني الفصل بين القيم المتكاملة في الفكر الاسلامي والقول بعجزها عن التفاعل والترابط وهم حين يقولون بذلك فهم يعون تماماً مدى تكامل الفكر الإسلامي وترابط قيمه ومُثله ومختلف جوانبه ولكنهم يحاولون زعزعته وإسقاط روح الانشطارية السائدة في الفكر الغربي والمنطلقة من الفصل بين الدين والدنيا على الواقع الإسلامي وتطبيقها عليه، ولعل أبرز صورها التي يحاولون زرعها في المجتمع المسلم هو الدعوة إلى الانفصال بين الحاضر والماضي والذي يعتبر من خصائص المجتمع الغربي وطريقهم إلى ذلك رمي التراث الإسلامي بالنقائص والمهانة ومحاولة تشويه صورته في أذهان أبناءه.([15])
وهذه المنهجية خاضعة للهوى وبالتالي لايرجى منها إعطاء نتائج صائبة حول الإسلام وحضارته وعلومه .

المطلب الخامس: المنهج الانتقائي
     عرف عن كثير من المستشرقين في كتاباتهم حول السيرة النبوية الشريفة وحول التاريخ الإسلامي أنهم ينتقون بعض الأحداث والقضايا ويكتبون عنها ويهملون غيرها كما أنهم يشككون في أمور من المسلمات في التاريخ الإسلامي وذلك لإثارة الشكوك في معطيات السنة والتاريخ ومن صور الانتقائية عندهم :
-       الانتقائية في المصادر والروايات والأخذ والرد منها بما يتناسب مع النتائج المقررة لديه ومن ذلك ما يوردونه عن أسباب حادثة الهجرة للحبشة و عن قصة (الغرانيق) المختلقة وعن زواج النبيr من زينب بنت جحش([16]) ،ومناقشة هذه الأحداث بأسلوب جازم بصحتها معتمداين على مصادر تورد الضعيف و الموضوع مع الصحيح مفسرين لها حسب أهوائهم دون الالتفات لكتب السنة التي بينت وهن هذه الروايات سنداً ومتناً
-       البحث على الضعيف والشاذ من الروايات ويركزون على الأخذ من الكتب التي تجمع الروايات المختلفة أو الضعيفة دون بيان لصحتها فينتقون منها مايوافق أهوائهم ومن ذلك رواية الغرانيق الموضوعة والتي أوردها عدد من المستشرقين باعتبارها أكيدة وغيرها من الأحاديث الموضوعة التي تعج بها كتب المستشرقين.
-       اعتماد المصادر غير الموثوقة لدى المسلمين أو الرجوع إلى مصادر غير متخصصة 
وهو من العيوب المنهجية الظاهرة في الدراسات الاستشراقية حيث أنهم يعمدون دائماً إلى المصادر غير الموثقة عند المسلمين فيجعلونها هي المصدر الأساس لدراساتهم وبحوثهم ومن ذلك أنهم يرجعون إلى كتاب مثل كتاب ’الأغاني‘ للأصفهاني فيجعلونه مرجعاً أساسياً في دراساتهم للتاريخ الإسلامي وللمجتمع الإسلامي، كما يعمدون إلى المراجع التي ضعفها العلماء المسلمون أو طعنوا في أمانة أصحابها فيجعلونها أساساً لبحوثهم أو كان أصحاب تلك المراجع منحازين إلى فئة معينة أو متعصبين([17])  كما يرجعون كثيراً إلى مصادر غير متخصصة لبحث المسائل الشرعية كرجوعهم للفهرست لابن النديم لبحث مسألة السحر وحكمها الشرعي([18])

-       النفي والافتراض والمبالغة في التشكيك غير المنهجي فنجده يكثر في كتبهم استخدام "يصعب تصديق ذلك" و"إذا أمكن قبول هذه الرواية" و "مما يدعو إلى الشك" و" لا شيء يثبت أمام النقد والتخمين الذي مررنا به " وغيرها من عبارات التشكيك والنفي واتهام المصادر الإسلامية بأنها وضعت لتمجيد أشخاص بعينهم ومما يلاحظ عندهم التشكيك فيما هو ثابت معلوم وإثبات ما هو مشكوك فيه ومن ذلك تشكيكهم الشديد في إمكانية تطبيق الفقه الإسلامي وادعائهم أن ماأورده ابن سعد من الأنساب في الطبقات هو محض ادعاء واختلاق  وغير ذلك ولا يوجد أساس علمي أو منطقي لكل هذا الرد أو التشكيك.
-       الاهتمام بالفرق والأقليات وأخبار الصراعات والبحث عن الوثنيات والتاريخ السابق لبعثة الرسول r بهدف تشويش الحضارة الإسلامية، و تمجيد أهل الضلال والبدع  وذلك بالدفاع عنهم ونصرة مواقفهم وآراؤهم ومدحهم وبتحقيق كتبهم وإظهارها ومن ذلك تحقيقهم ونشرهم لأخبار الحلاج والبلغة في الحكمة لابن عربي وطبقات الصوفية وكتب ابن سينا والحارث المحاسبي وغيرهم من أهل المذاهب الضالة ومن ذلك مدحهم لكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني و ألف ليلة وليلة واعتبارهم هذه الكتب أهم المراجع الشرعية والتاريخية و الأدبية والحضارية في عصرها والأخذ بما فيها على أنه من المسلمات معرضين عن حكم أئمة علماء المسلمين عليها .([19]) ويظهر ذلك عند النظر فيما كتب في دائرة المعارف عن هؤلاء المبتدعة وماكتب عن أئمة أهل السنة المحققين.([20])

المطلب السادس: مخالفة المنهج العلمي و الخضوع للهوى   
      فالمستشرق كثيراً مايبدأ بحثه وأمامه غاية حددها، ونتيجة وصل إليها مقدماً، ثم يحاول أن يثبتها بعد ذلك، ومن هناك يكون دأبه واستقصاؤه الذي يأخذ بأبصار بعضهم، فإن المستشرقين لم يكونوا ملتزمين دائماً  بما يحددونه من منهجية علمية للسير عليها وفي ذلك يقول منقمري ووات : ( وإذا حدث أن كانت بعض أراء العلماء الغربيين غير معقولة عند المسلمين فذلك لأن العلماء الغربيين لم يكونوا دائماً مخلصين لمبادئهم العلمية وأن آراءهم يجب إعادة النظر فيها من وجهة النظر التاريخية الدقيقة ) ([21])
      ومن صور مخالفة المنهج العلمي في البحث والتحري قيام بعض المستشرقين بتحريف كثير من الحقائق التي تخص الإسلام ورسالته وتاريخه دون نظر في ما ثبت بالنصوص والنقول المتواترة فيها، فمن ذلك مثلاً أن بعضهم أنكر عالمية الإسلام وبخاصة فيما يتعلق برسائل الرسول   r إلى الملوك والأمراء خارج جزيرة العرب كرسائله إلى هرقل والمقوقس وكسرى ،دون دلائل أو براهينعلى ذلك  وهذا ظاهر  فيما كتبه جوستاف لوبون في كتابه ’تاريخ العرب‘ حيث زعم أن الرسول rرأى أنه كان لليهود أنبياء وكذلك للنصارى فأراد أن يكون للعرب كتاب ونبي، وكأن الرسالة والنبوة أمر يقرره الإنسان بنفسه.
ومن صور التزييف ما أورد ديورانت في رواية عن أموال الزبير بن العوام رضي الله عنه فقال "وكان للزبير بيوت في عدة مدن، وكان يمتلك ألف جواد وعشرة آلاف عبد..." والخبر كما أوردته المصادر الإسلامية الموثقة هو كالآتي "كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه خراجهم كل يوم، فما يُدخل إلى بيته منها درهماً واحداً، يتصدق بذلك جميعه" وهو هنا أضاف ألف جواد أقحمها في الخبر وليس لها أساس ثم إن في الخبر أن الزبير رضي الله عنه يتصدق بكل دخلهم لا يدخل بيته منها شيء فلم يورده وهذا خرق بين واضح للأمانة العلمية ([22])


-   أن لهذه المناهج صورها العديدة الواضحة والبينة في مختلف كتابات المستشرقين وكتبهم والتي تظهر عدم حيادية المستشرقين والتزامهم بالمنهج العلمي في البحث والتأليف.
وفي الختام أسأل الله أن ينفع بهذه البحث، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، والحمد لله رب العالمين.



([1]) لسان العرب، ابن منظور ، (2-383)، تاج العروس من جواهر القاموس (2-369)
([2]) المعجم الفلسفي ، مجمع اللغة العربية ، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية ، القاهرة ، 1403ه، ص 195.
([3]) مفتريات وأخطاء دائرة المعارف الإسلامية ( الاستشراقية)، إعداد: د. خالد بن عبدالله القاسم، دار الصميعي للنشر والتوزيع ، الرياض، الطبعة الأولى عام 1431ه.ص
([4]) راجع : الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية ، ساسي سالم الحاج، (1-171)
([5])راجع: الاستشراق والمُسْتَشْرِقُونَ ما لهم وما عليهم، ص 25 ومابعدها. و الباب الثالث من مفتريات وأخطاء دائرة المعارف الإسلامية ( الاستشراقية).
([6]) العقيدة والشريعة في الإسلام ، جولد تسيهر ، ترجمة محمد يوسف وآخرون ، دار الكتاب الحديث بمصر . الطبعة الثانية ، ص 12
([7]) موجز دائرة المعارف الإسلامية ، مركز الشارقة للإبداع الفكري ، الطبعة الأولى 1418ه- 1998م، (9/2650).
([8]) محمد في مكة ، تعريب : شعبان بركات ص 93
([9]) الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية ، ساسي سالم الحاج (1-170)
([10]) راجع: الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية ، ساسي سالم الحاج (166-169)
([11]) العيوب المنهجية في سياق الروايات الحديثية عند المستشرق مونتجمري وات في كتابيه "محمد في مكة"، "محمد في المدينة " د. نعمات الجعفري ، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ، جامعة الكويت العدد 97 ص 208
([12]) محمد في مكة ، تعريب : شعبان بركات ص 81
([13]) محمد في مكة تعريب : شعبان بركات ص 66
([14]) محمد في المدينة ، تعريب : شعبان بركات ص 8، و63 ومابعدها
([15]) انظر : مناهج المستشرقين في دراسة الفكر الاسلامي، د. حسن عزوزي ، مقال ، مجلة الوعي الإسلامي، وزارة الشؤون الإسلامية الكويتية، 2010م
([16]) راجع: محمد في المدينة ، محمد في المدينة ، تعريب شعبان بركات وغيرها
([17]) راجع : الاستشراق مازن مطبقاني ص 25 ، المستشرقون والتراث ، د. عبدالعظيم الديب ، دار الوفاء للطباعة والنشر ، الطبعة الثالثة ، 1413ه.
([18]) راجع: مفتريات وأخطاء دائرة المعارف الإسلامية ( الاستشراقية)، إعداد: د. خالد بن عبدالله القاسم، دار الصميعي للنشر والتوزيع ، الرياض، الطبعة الأولى عام 1431ه.ص 196
([19]) راجع المستشرقون والتراث.د. عبدالعظيم الديب
([20]) راجع : موجز دائرة المعارف الإسلامية ، مركز الشارقة للإبداع الفكري ، الطبعة الأولى 1418ه- 1998م، مادة : أبو الفرج الأصفهاني ، الحلاج ، ألف ليلة وليلة ,
([21]) محمد في مكة تعريب : شعبان بركات ص 11
([22]) المستشرقون والتراث ، د. عبدالعظيم الديب

هناك 5 تعليقات: